النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: شعر الزهد و الحكمة لأبي العتاهية

  1. #1
    ©؛°¨°؛©][مشرف سفاري اسبانيا][©؛°¨°؛© الصورة الرمزية سلمان بن أبي بكر
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    3,232

    شعر الزهد و الحكمة لأبي العتاهية


    بسم الله الرحمن الرحيم :


    " سلسلة شعر الزهد والحكمة لأبي العتاهية "

    نقلتها لكم من موقع طريق الإسلام و هي من أداء الشيخ عبد الرحمن بن فهد الحمين حفظه الله :



    طريق الإسلام - الشيخ قصائد الزهد والرقائق - شعر الزهد والحكمة لأبي العتاهية


    اسم الشاعر هو اسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي ولاءً ، كنيته أبو اسحاق

    لقبه أبو العتاهية و قيل في سبب تلقيبه بأبي العتاهية أنّ الخليفة العباسي المهدي

    قال له يوماً : أنت إنسان متحذلق مُعتَّه .

    و أبو العتاهية له ديوان شعر مطبوع

    و قد قام الشيخ عبد الرحمن الحميّن - حفظه الله تعالى - بتسجيل قصائد الزهد و الحكمة لأبي العتاهية

    في أشرطة مسجلة تُباع في التسجيلات الإسلامية و هي جميلة جداً ، لما فيها من الحكم و التزهيد بالدنيا الفانية .


    وهذه بعض من قصائد أبي العتاهية :


    قال أبو العتاهية :


    لا يأمنُ الدّهرَ إلاّ الخائنُ البَطِرُ = مَنْ ليسَ يعقلُ ما يأتي و مايذرُ

    لا يجهلُ الرّشدَ مَنْ خافَ الإلهَ و مَنْ = أمسى و همّتُهُ في دينِهِ الفِكَرُ

    فيما مضى فِكرَةٌ فيها لصاحبِها = إن كان ذا بصرٍ في الرأي ِ معتبَرُ

    أينَ القرونُ و أينَ المُبتَنونَ لنا = هَذي المدائنَ فيها الماءُ و الشجرُ

    و أينَ كسرى أنوشروان مالَ بهِ = صرْفُ الزّمان ِ و أفنى مُلكَهُ الغِيَرُ

    بلْ أينَ أهلُ التُقى بعدَ النبيّ و مَنْ = جاءتْ بفضلِهِمُ الآياتُ و السُّوَرُ

    أُعدُدْ أبا بكرٍ الصِدِّيقَ أَوّلَهمْ = ونادِ مِنْ بعدِهِ في الفضلِ يا عُمَرُ

    و عُدَّ مِنْ بعدِ عُثمانٍ أبا حَسنٍ = فإنَّ فضلَهُما يُرْوى و يُدَّكَرُ

    لَمْ يبقَ أهلُ التُقى فيها لبرِّهِمُ = و لا الجبابرةُ الأملاكُ ما عَمروا

    فاعملْ لنفسِكَ و احذرْ أن تورِّطَها = في هُوَّةٍ ما لها وِِرْدٌ و لا صَدَرُ

    ما يحذرُ اللهَ إلا الرّاشدونَ و قدْ = يُنجي الرَّشيدَ مِنَ المَحْذورةِ الحذرُ

    و الصَّبرُ يُعقِبُ رضواناً و مغفِرةً = مع النّجاحِ و خَيْرُ الصُّحبَةِ الصًُّبُرُ

    النّاسُ في هذه الدنيا على سَفَرٍ = و عن قريبٍ بهم ما ينقضي السّفَرُ

    فمنهمُ قانِعٌ راضٍ بعيشتِهِ = و منهُمُ موسِرٌ و القلبُ مُفتَقِرُ

    ما يُشبِعُ النَّفْسَ إن لمْ تُمْسِ قانِعَةً = شيءٌ و لو كَثُرَتْ في مُلكِها البِدَرُ

    و النَّفْسُ تَشبَعُ أحياناً فيُرجِعُها = نحوَ المجاعَةِ حُبُّ العيْشِ و البَطَرُ

    و المَرْءُ ما عاشَ في الدنيا لهُ أثَرٌ = فما يموتُ و في الدنيا لهُ أثَرُ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :


    أيْنَ القُرونُ الماضِيَةُ؟ = تَرَكُوا المَنازلَ خالِيَهْ

    فَاسْتَبْدَلَتْ بِهمُ دِيا = رُهُمُ الرِّيَاحَ الهاوِيَهْ

    وَتَشَتّتتْ عَنها الجُمو = عُ، وَفَارَقَتْها الغاشِيَهْ

    فَإذا مَحَلٌّ لِلْوحُو = شِ، وللكِلابِ العاوِيَهْ

    دَرَجُوا فَما أَبْقَتْ صُرُو = فُ الدَّهر مِنهم باقِيَهْ

    لم يَبْقَ مِنْهُمْ بَعْدَهُمْ = إلاّ العِظامُ البالِيَهْ

    والدَّهْرُ لا يَبْقى عَلَيْـ = ـهِ الشَّامِخَاتُ الرّاسيَهْ

    يا عاشقَ الدّارِ التي = لَيْسَتْ لَهُ بمُؤَاتِيَهْ

    أحْبَبْتُ دَاراً لم تَزَلْ = عن نَفْسها لَكَ ناهِيَهْ

    أاُخَيَّ فَارْمِ محاسن الدُّ = نْيا بعين قَالِيَهْ

    وَاعْصِ الهَوَى فما دَعا = كَ له، فَبِئْسَ الدّاعِيَهْ

    أتَرَى شَبابَكَ عائداً = مِنْ بَعْدِ شَيْبِكَ ثانِيَهْ؟

    يَا دَارُ ما لِعُقُولِنا = مسْرورةً بِكَ، راضِيَهْ؟

    إنّا لَنَعْمُرُ فيكِ نا = حِيَةً وَنَتْرُكُ ناحِيَهْ

    مَا نَرْعَوي لِلْحادِثا = تِ وَلاَ الخُطوبِ الجارِيَهْ

    واللهُ لا تَخْفَى عَلَيـ = ـهِ من الخلائق خافيَهْ

    عجباً لنا ولِجَهْلِنا= أنّ العقولَ لَواهِيَهْ

    إنّ العُقولَ لَذاهِلا = تٌ غَافِلاتٌ لاهِيَهْ

    أفَلا نَبِيعُ مَحَلَّةً = تَفْنَى، بِاُخرى باقِيهْ؟

    نَصْبُو إلى دار الغرو = ر ونَحْنُ نَعْلَمُ ماهِيَهْ

    مَنْ مُبلِغٌ عَنّي الإما = مَ نَصَائِحاً مُتَوَالِيَهْ؟

    إنّي أرى الأسعارَ أســ = ــعارَ الرَّعيّةِ، غَالِيَهْ

    وأرى المكاسِبَ نَزْرَةٌ = وأرَى الضرورةَ فَاشِيَهْ

    وأرى اليتامَى والأرا= مِلَ في البيوتِ الخالِيَهْ

    من بَيْنِ راج لم يَزَلْ = يَسْمُو إليكَ وَرَاجِيَهْ

    يَرْجُونَ رِفْدَكَ كَيْ يَرَوْا = مِمّا لَقَوْهُ العَافيه

    مَنْ يُرْتَجَى لِلنّاسِ غَيْــ = ـرُكَ للعُيونِ الباكِيَهْ؟

    من للبطون الجائعا = ت وللجسوم العاريه؟

    يا ابْنَ الخلائف لا فُقِدْ = تَ، ولا عَدِمت العافيهْ

    إنّ الاُصولَ الطيبا = تِ لها فُروعٌ زاكِيَهْ

    ألْقيتُ أخباراً إلَيــ = ـكَ، من الرعيّة شافِيَهْ

    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    الدَّهْرُ ذو دُولٍ والموتُ ذو عِلَلٍ=والمرءُ ذو أملٍ والناسُ أشباهُ

    ولم تزل عِبَرٌ فِيهنَّ مُعْتَبرٌ=يجري بها قدرٌ والله أجراهُ

    يبكي ويضحكُ ذو نفسٍ مُصَرَّفَةٍ=والله أضحكهُ والله أبكاهُ

    والمُبتلى فهوَ المهجور جانبهُ=والناسُ حيثُ يكونُ المالُ والجاهُ

    والخَلْقُ مِنْ خَلْقِ ربي قد يُدَبِّرُهُ=كُلٌّ فمستعبدٌ والله مولاهُ

    طُوبى لعبدٍ لِمولاهُ إنابتهُ=قد فاز عبدٌ مُنيبُ القلبِ أواهُ

    يا بائع الدين بالدنيا وباطِلها=ترضى بِدينك شيئاً ليس يَسْواهُ

    حتى متى أنت في لهوٍ وفي لعبِ=والموتُ نحوك يهوي فاغراً فاهُ

    ما كلُ ما يتمنى المرءُ يدرِكهُ=رُبَّ امرىءٍ حَتفُهُ فيما تمناهُ

    إن المنى لَغُرورٌ ضِلةً وَهَوىً=لعل حتفَ امرىءٍ في الشيءِ يَهواهُ

    تَغْتَرُّ لِلجهل بالدنيا وَزُخرفها=إن الشقيَّ لَمَنْ غرته دنياهُ

    كأنَّ حَيًّا وقد طالتْ سلامتُهُ=قد صار في سكراتِ الموت تغشاهُ

    والناسُ في رَقْدَةٍ عما يُرادُ بهم=ولِلحوادثِ تَحْريكٌ وإنباهُ

    أنصفْ هُدِيتَ إذا ما كنتَ مُنتصفاً=لا ترضَ لِلناس شيئاً لستَ ترضاهُ

    يارُبَّ يوْمٍ أتت بُشراهُ مُقْبِلةً=ثم استحالت بصوتِ النَّعيِ بُشْراهُ

    لا تحقرنَّ من المعروف أصغرهُ=أحسنْ فعاقِبَةُ الإحسانِ حُسناهُ

    وكُلُّ أمرٍ لهُ لابُدَّ عاقِبةٌ=وخيرُ أمركَ ما أحمدتَ عَقباهُ

    تلهو وللموت مُمسانا ومُصبحنا=من لم يُصبِّحْهُ وَجْهُ الموتِ مَسَّاهُ

    كم من فتىً قد دنت للموت رِحلتُهُ=وخيرُ زاد الفتى للموت تقواهُ

    ما أقرب الموتَ في الدنيا وأفظَعَهُ=وما أمَرَّ جنى الدنيا وأحلاهُ

    كم نافسَ المرءُ في شيءٍ وكايدَ فِيـ=ــهِ الناسَ ثُم مضى عنهُ وخلاهُ

    بينا الشفيقُ على إلْفٍ يُسّرُّ بهِ=إذ صار أغمضهُ يوماً وسجاهُ

    يبكي عليه قليلاً ثم يخرجهُ=فَيُمْكِنُ الأرضَ مِنهُ ثم ينساهُ

    وكلُ ذِي أجلٍ يوماً سيبلغهُ=وكُلُّ ذِي عملٍ يوماً سيلقاهُ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ = كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ

    فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما = يُرَى عاشِقُ الدّنْيا بجُهْدِ بَلاءِ

    حَلاوَتُها مَمزُوجَةٌ بمَرارَةٍ = وراحَتُها مَمْزُوجَةٌ بعَنَاءِ

    فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ = فإنّكَ من طينٍ، خُلقتَ, وماءِ

    لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً = وقَلّ امرُؤٌ يَرْضَى لَهُ بقَضَاءِ

    وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَةٌ = وللْهِ إحسانٌ وفضْلُ عَطاءِ

    وما الدّهرُ يوماً واحداً في اختلافِه = وما كُلّ أيّامِ الفتى بسَوَاءِ

    وما هوَ إلاّ يَوْمُ بُؤسٍ وشدّةٍ = ويَوْمُ سُرُورٍ، مَرّةً، ورَخاءِ

    وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ = وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ

    أيَا عَجَباً للدّهرِ لا بلْ لرَيْبِهِ = يُخَرمُ رَيبُ الدّهرِ كلَّ إخاءِ

    وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَةٍ = وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ

    إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى = فحَسبي بهِ نَأياً وبُعْدَ لِقَاءِ

    أزُورُ قُبُورَ المُتْرَفِينَ فَلا أرَى = بَهاءً، وكانوا، قَبلُ،أهل هاءِ

    وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَةٍ = وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ

    يَعِزُّ دِفاعُ المَوْتِ عن كلّ حيلَةٍ = ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواء

    ونَفسُ الفَتى مَسرورَةٌ بنَمَائِها= وللنّقْصِ تَنْمُو كلُّ ذاتِ نَماءِ

    وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ = حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ

    أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَةٍ = يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ

    خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ = وكنْ بَينَ خَوْفٍ منهُما ورَجاءِ

    وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا = ولكِنْ كَساهُ اللّهُ ثوْبَ غِطاءِ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    طَلَبتُكِ يا دُنيا، فأعذَرْتُ في الطّلبْ = فما نِلْتُ إلاّ الهَمّ والغَمّ والنّصَبْ

    فَلَمّا بدَا لي أنّني لَستُ واصِلاً = إلى لَذّةٍ، إلاّ بأضْعافِها تَعَبْ

    وأسرَعْتُ في ديني، ولم أقضِ بُغيَتي = هرَبْتُ بديني منكِ، إن نَفَعَ الهرَبْ

    تخَلّيْتُ مِمّا فيكِ جَهْدي، وطاقتي = كمَا يَتَخَلّى القوْمُ من عَرّةِ الجرَبْ

    فَما تَمّ لي يَوْماً إلى اللّيلِ مَنظَرٌ = أُسَرّ بهِ، إلاّ أتى دونَهُ شَغَبْ

    وإنّي لَمِمّنُ خَيّبَ اللهُ سَعْيَهُ= لَئنْ كنتُ أرْعَى لَقحَةً مُرّةَ الحلَبْ

    أرَى لكَ أنْ لا تَستَطيبَ لخِلّةٍ= كأنّكَ فيها قَد أمِنْتَ منَ العَطَبْ

    ألمْ تَرَها دارَ افتِراقٍ وفَجْعَةٍ= إذا رَغِبَ الإنسانُ فيها، فقد ذهَبْ

    أُقَلّبُ طَرْفي مَرّةً بَعدَ مَرّةٍ= لأعْلَمَ ما في النّفسِ، والقلبُ يَنقلبْ

    وسَرْبَلْتُ أخْلاقي قُنُوعاً وعِفّةً= فعِندي بأخلاقي كُنُوزٌ مِنَ الذّهَبْ

    فلَمْ أرَ حَظّاً كالقُنوعِ لأهْلِهِ= وأن يُجملَ الإنسانُ ما عاش في الطّلبْ

    ولمْ أرَ فَضْلاً تَمّ إلاّ بشيمَةٍ= ولم أرَ عَقْلاً صَحّ إلاّ على أدَبْ

    ولمْ أرَ في الأعداءِ حينَ خَبَرْتُهُمْ = عدوّاً لعَقلِ المَرْء أعدى من الغضَبْ

    ولم أرَ بَينَ العُسْرِ خِلطَةً؛ ولم أرَ = بَينَ الحَيّ والمَيتِ من سَبَبْ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    خَليليّ! إنّ الهَمّ قَدْ يَتَفَرّجُ، = ومِنْ كانَ يَبغي الحَقّ، فالحقُّ أبلجُ

    وذو الصّدقِ لا يرْتابُ، والعدلُ قائمٌ = على طُرُقاتِ الحَقّ، والشّرُّ أعوَجُ

    وأخلاقُ ذي التّقوَى وذي البِرّ في الدّجى = لهُنّ سِراجٌ، بَينَ عَينَيْهِ، مُسرَجُ

    ونِيّاتُ أهلِ الصّدقِ بِيضٌ نَقِيّةٌ، = وألسُنُ أهلِ الصّدْقِ لا تَتَلَجْلَجُ

    ولَيسَ لمَخلوقٍ على اللهِ حُجّةٌ، = وليسَ لهُ منْ حُجّة اللهِ مَخرَجُ

    وقد دَرَجَتْ مِنّا قُرُونٌ كَثيرَةٌ، = ونَحنُ سنَمضِي بَعدَهنّ ونَدرُجُ

    رُوَيْدَكَ، يا ذا القَصرِ في شَرَفاتِه = فإنّكَ عنَها مُستَخَفُّ، وتُزْعَجُ

    وإنّكَ عَمّا اختَرْتُهُ لَمُبَعَّدٌ، = وإنّكَ مِمّا في يَدَيْكَ لمُخْرَجُ

    ألا رُبّ ذي ضَيْمٍ غَدا في كَرامَةٍ، = ومُلْكٍ، وتيجانِ الخُلُودِ مُتَوَّجُ

    لَعَمرُكَ ما الدّنْيا لَدَيّ نَفِيسَةٌ، = وإنْ زَخرَفَ الغادونَ فيها وزَبْرَاجُوا

    وإنْ كانَتِ الدّنْيا إليّ حَبيبَةً، = فإنّي إلى حَظّي منَ الدّينِ أحوَجُ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    كلٌّ إلى الرّحمانِ مُنَقلَبُهْ= والخَلْقُ ما لا يَنْقَضِي عَجَبُهْ

    سُبحانَ مَنْ جَلّ اسمُهُ وعَلا = وَدَنا، ووارَتْ عَينَهُ حُجُبُهْ

    ولَرُبّ غادِيَةٍ ورائِحَةٍ= لم يُنْجِ منها هارِباً هَرَبُهْ

    ولرُبّ ذي نَشَبٍ تَكَنَّفَهُ = حُبُّ الحَياةِ، وغَرّهُ نَشَبُهْ

    قد صارَ مِمّا كانَ يَمْلِكُهُ = صِفراً، وصارَ لغَيرِهِ سَلَبُه

    ْ يا صاحِبَ الدّنْيا المُحِبَّ لهَا! = أنتَ الذي لا يَنقَضِي تَعَبُهْ

    أصلَحتَ داراً، هَمْلُها أسَفٌ = جَمُّ الفُروعِ، كَثيرَةٌ شُعَبُهْ

    إنّ استِهانَتَهَا بِمَنْ صَرَعَتْ= فبِقدْرِ ما تَسمُو بهِ رُتَبُه

    ْ وإنِ استَوَتْ للنّملِ أجْنِحَةٌ = حتى يَطيرَ، فقدَ دَنَا عَطَبُهْ

    إنّي حَلَبْتُ الدّهرَ أشْطُرَهُ= فرَأيْتُهُ لم يَصْفُ لي حَلَبُهْ

    فتَوَقّ دَهرَكَ ما استَطَعتَ، ولا = تَغرُرْكَ فِضّتُهُ، ولا ذَهَبُهْ

    كَرَمُ الفتى التّقوَى، وقُوّتُهُ = مَحض اليقينِ، ودينُهُ حَسَبُهْ

    حِلْمُ الفَتى مِمّا يُزَيّنُهُ= وتَمامُ حِلْيَةِ فَضلِهِ أدَبْه

    ْ والأرْضُ طَيّبَةٌ، وكلُّ بَني = حَوّاءَ فيها واحِدٌ نَسَبهْ

    إيتِ الأمورَ، وأنتَ تُبصِرُها= لا تأتِ ما لمْ تَدْرِ ما نَسَبُهْ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    المَرْءُ يَطلُبُ، والمَنيّةُ تَطلُبُهْ = ويَدُ الزّمانِ تُديرُهُ وتُقَلّبُهْ

    ليسَ الحَريصُ بزائدٍ في رِزْقِهِ = اللهُ يَقْسِمهُ لَهُ ويُسَبّبُهُ

    لا تَعْتِبَنّ على الزّمانِ، فإنّ مَن = يُرْضي الزّمانَ أقلُّ ممّن يُغضِبُهْ

    أيّ امرىءٍ إلاّ عَلَيهِ منَ البِلَى = في كلّ ناحِيَةٍ رَقيبٌ يَرْقُبُهْ

    المَوْتُ حَوْضٌ، لا محَالَةَ دونَه = مُرٌّ مَذاقَتُهُ، كَريهٌ مَشرَبُهْ

    وترَى الفتى سَلِسَ الحديثِ بذكرِه = وَسْطَ النّديّ، كأنّهُ لا يَرْهَبُهْ

    وأسَرُّ ما يَلقَى الفتى في نَفسِهِ = يَبتَزّهُ نابُ الزّمانِ ومِخلَبُهْ

    ولَرُبّ مُلهِيَةٍ لصاحِبِ لَذّةٍ = ألفَيتُها تَبكي عليَهِ، وتَندُبُهْ

    مَن كانَتِ الدّنْياءُ أكبرَ هَمّهِ = نَصَبَتْ له من حبّها ما يُتعِبُهْ

    فاصْبرْ على الدّنيا، وزَجِّ هُمومَها = ما كلّ مَن فيها يرى ما يُعجِبُهْ

    ما زالَتِ الأيّامُ تَلعَبُ بالفَتى = طَوْراً تُخَوّلهُ، وطَوْراً تَسلُبُهْ

    مَن لم يَزَلْ مُتَعَجّباً مِن حادثٍ = تأتي بهِ الأيّامُ، طالَ تَعَجّبُهْ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    أشَدُّ الجِهادِ جِهادُ الهوَى= وما كَرْمَ المَرْءَ إلاّ التُّقَى

    وأخلاقُ ذي الفضْلِ مَعرُوفَةٌ = ببَذلِ الجَميلِ، وكفّ الأذى

    وكلُّ الفُكاهاتِ مَملُولَةٌ= وطولُ التّعاشُرِ فيهِ القِلَى

    وكلُّ طَريفٍ لَهُ لَذّةٌ= وكلُّ تَليدٍ سَريعُ البِلَى

    وَلا شيءَ إلاّ لَهُ آفَةٌ= وَلا شيءَ إلاّ لهُ مُنتَهَى

    ولَيسَ الغِنى نَشَبٌ في يدٍ= ولكنْ غِنى النّفس كلُّ الغِنى

    وإنّا لَفي صُنُعٍ ظاهِرٍ = يَدُلّ على صانعٍ لا يُرَى


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    لا تأمنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسٍ=وإن تمنّعتَ بالحُجَّـاب والحَـرَس

    فما تَـزال سِهـامُ المـوتِ نافـذة=ًفي جَنبِ مُـدّرِعٍ منهـا ومُتّـرِس

    أراك لسـت بوقّـافٍ ولا حــذِرٍ=كالحاطبِ الخابطِ الأعواد في الغَلَس

    ترجو النجاةَ ولم تسلُـك مسالِكهـا=إن السفينة لا تجري على اليَبَـس

    أنّى لك الصّحْو من سُكْرٍ وأنتَ متى=تصِحّ من سكْرَةٍ يغشاكَ في نَكَـس

    ما بالُ دِينِكَ ترضى أن تدنّسَـهُ ال=دنيا وثوبُكَ مغسول مـن الدّنَـس

    لا تأمن الحَتْفَ فيمـا تستلِـذّ وإن=لانت ملامِسُه فـي كـفّ مُلتَمِـس

    الحمـدُ لله شكـراً لا مثيـلَ لـه=كم من حبيبٍ من الأهلِين مُختَلَـس


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    إنّ الحَوادِثَ، لا مَحالَةَ، آتِيَهْ = مِنْ بَينِ رائحَةٍ تَمُرّ، وغادِيَهْ

    وَلَرُبّما اعْتُبِطَ السّليمُ فُجاءَةً= وَلَرُبّما رُزِقَ السّليمُ بعافِيَهْ

    أللهُ يَعْلَمُ ما تُجِنّ قُلُوبُنَا= وَاللهُ لا تُخفَى عَلَيهِ خافِيَهْ

    أينَ الأُلى كَنَزُوا الكُنوزَ وَأمّلُوا= أينَ القُرُونُ بَنو القُرونِ الخاليَهْ؟

    دَرَجوا فأصْبحتِ المَنازِلُ منهُمُ = قَفْراً، وَأصْبحتِ المَدائنُ خاليَه

    عَجَباً لمَنْ يَنسَى المَقَابِرِ وَالبِلى= سُبحانَ مَن يُحيي العظامَ الباليَهْ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    الحَمدُ للّهِ على مَا نَرَى! = كلُّ مَنِ احتيجَ إلَيهِ زَهَا

    ياأيّها المُبْتَكِرُ الرّائحُ المُشْتَغِلُ = القلبِ، الطّويلُ العَنَا

    نِعمَ الفِراشُ الأرْضُ، فاقنَعْ به= وكُنْ عَنِ الشرّ قَصِيرَ الخُطَى

    ما أكرَمَ الصّبرَ، وما أحسنَ = الصّدْقَ، وما أزْيَنَهُ بالفتى

    الخُرْقُ شُؤْمٌ ، وَالتُّقَى جُنّةٌ = والرّفْقُ يُمْنٌ ، والقُنوعُ الغِنَى

    نافِسْ، إذا نافَستَ، في حكمةٍ= آخِ، إذا آخَيتَ، أهلَ التُّقَى

    ما خَيرُ مَنْ لا يُرْتجَى نَفْعُهُ = يَوْماً، ولا يُؤمَنُ منهُ الأذَى

    واللّهُ للنّاسِ بأعْمالِهِمْ= وكلُّ نَاوٍ، فلَهُ ما نَوَى

    وطالِبُ الدّنْيا الكَدودُ بهَا = في فاقَةٍ، لَيسَ لها مُنْتَهَى


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    بكَتْ عَيني على ذَنْبي = وما لاقَيْتُ مِنْ كَرْبي

    فَيا ذُلّي، ويا خَجَلي = إذا ما قالَ لي رَبّي

    أمَا استَحيَيتَ تَعصِيني = ولا تَخشَى مِنَ العَتْبِ

    وتُخفي الذّنبَ من خَلقي = وتأبَى في الهَوَى قُرْبي

    فَتُبْ مِمّا جَنيْتَ عسَى = تَعُودُ إلى رِضَى الرّبّ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    إلهي! لا تعذبني، فإني = مقرّ بالذي قد كان مني!

    فما لي حيلة، إلا رجائي = لعفوك، إن عفوت وحسن ظني

    وكم من زلة لي في الخطايا = وأنت علي ذو فضل ومن

    إذا فكرت في ندمي عليها = عضضت أناملي وقرعت‏ سني

    أجنّ بزهرة الدنيا جنونا = وأقطع طول عمري بالتمني

    ولو أني صدقت الزهد عنها = قلبت لأهلها ظهر المجن

    يظن الناس بي خيراً وإني = لشر الخلق إن لم تعف عني


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    يــا عجبــا للنــاس لـو فكـروا =وحاســـبوا أنفســـهم أبصــروا

    وعــبروا الدنيــا إلــى غيرهــا =فإنمـــا الدنيـــا لهــم معــبر

    والموعــد المــوت ومــا بعــده =الحشــر فــذاك الموعــد الأكـبر

    لا فخــر إلا فخــر أهــل التقـى =غـــدا إذا ضمهـــم المحشـــر

    ليعلمـــن النـــاس أن التقـــى = والــبر كانــا خــير مـا يدخـر

    عجــبت للإنســان فــي فخــره =وهــو غــدا فــي قــبره يقـبر

    مــا بــال مــن أولــه نطفــة =وجيفــــة آخــــره يفخـــر

    أصبـــح لا يملــك تقــديم مــا =يرجــو ولا تــأخير مــا يحــذر

    وأصبـــح الأمــر إلــى غــيره =فــي كـل مـا يقضـي ومـا يقـدر


    --------------------------------------------------------------------------------

    وقال أيضاً :

    لِدُوا للموت وابْنُوا للخَراب = ،فكلكُمُ يصير إلى تَباب

    لِمَنْ نبني؟ ونحن إلى تراب = نصير، كما خُلقْنا من تراب

    ألا يا موتُ، لم أرَ منك بُدّاً = اتَيْتَ وما تَحِيفَ وما تُحابي

    كأنّك قد هجمتَ على مَشيبي = كما هجم المشيبُ على الشباب


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    إلى اللّهِ، فيما نالَنَا، نرْفَعُ الشكوى = فَفي يَدِهِ كَشفُ المضرّةِ والبَلوَى

    خرَجنا من الدّنيا، ونحنُ منَ اهْلِها = فلا نحنُ في الأمواتِ فيها وَلا الأحْيَا



    --------------------------------------------------------------------------------

    وقال أيضاً :

    نَسيبُكَ مَنْ ناجاكَ بالوُدّ قَلبُهُ = ولَيسَ لمَنْ تَحتَ التّرابِ نَسيبُ

    فأحْسِنْ جَزاءً ما اجْتَهَدتَ فإنّما = بقَرْضِكَ تُجزَى والقُرُوضُ ضُرُوبُ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    وإنـّا لنُرمى كل يومٍ بعبرةٍ= نراها فما نزداد إلا تماديا

    نسرّ بدارٍ أورثتنا تضاغنا = عليها ودارٍ أورثتنا تعاديا


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    وللقلبِ على القلبِ = دليلٌ حين يلقاهُ

    وللناسِ من الناسِ = مقاييسٌ وأشباهُ

    يقاسُ المرءُ بالمرءِ = إِذا ما هوَ ما شاهُ

    وفي العينِ غنىً للعينِ= أن تنطقََ أفواهُ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    أرى الدنيا لمن هي في يديه = عذاباُ كلما كثرت لديـه

    تُهين المكرمين لها بصُفر = و تكرمُ كل من هانت عليـه

    إذا استغنيت عن شيء فدعه = و خذ ما أنت محتاج إليـه


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    إذا المـرء لـم يعتـق مـن المال نفسه= تملكــه المــال الـذي هـو مالكـه

    ألا إنمــا مــالي الـذي أنـا منفـق =وليس لـي المـال الـذي أنـا تاركـه

    إذا كـنت ذا مـال فبـادر بـه الـذي= يحـــق وإلا اســتهلكته مهالكــه


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    ألا إننـــــا كلنــــا بــــائد =وأي بنــــــي آدم خــــــالد

    وبـــدؤهم كـــان مــن ربهــم =وكـــل إلـــى ربـــه عــائد

    فيــا عجبــا كـيف يعصـي الإلـه =أم كـــيف يجحـــده الجـــاحد

    وفــي كــل شــيء لــه آيــة = تـــدل عـــلى أنـــه واحــد


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    يا مَعشرَ الأمواتِ، يا ضِيفانَ = بِ الأرضِ كَيفَ وَجَدتُمُ طَعمَ الثَّرَى

    أهلَ القُبورِ مَحا التُّرابُ وُجوهَكُمْ = أهلَ القُبورِ تَغَيَّرَتْ تلكَ الحِلَى

    أاُخَيَّ لم يَقِكَ المَنيّةَ إذْ أتَت = ما كانَ أطعَمَكَ الطّبيبُ وما سقَى

    أاُخَيَّ، كيفَ وَجدتَ مَسّ خُشونةِ المــ = ــأوَى وكيفَ وجَدتَ ضِيقَ المُتّكَا


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    إذا فكّرتُ في نَدَمي علَيها، = عَضَضتُ أناملي، وقَرَعتُ سِنّي!

    اُجَنُّ بزَهرَةِ الدّنيا جُنوناً، = وأقطَعُ طولَ عُمري بالتَّمَنِّي

    ولو أنّي صَدَقتُ الزُّهْدَ عَنها، = قَلَبتُ لأهلِها ظَهرَ المِجَن

    يَظنّ الناسُ بي خَيراً، وإنّي = لَشَرُّ الخَلقِ، إنْ لم تَعفُ عَنِّي


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    بَكَيْتُ على الشباب بدَمعِ عَيْني = فلَمْ يُغنِ البُكاءُ ولا النحيبُ

    ألا لَيْتَ الشبابُ يَعُودُ يَوماً = فاُخْبِرَهُ بما فَعَلَ المَشيبُ

    عريت من الشباب وكان غضّاً = كما يَعرى من الورق القضيب


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    مسكينٌ مَنْ غَرّتْ الدُّنيا بآمالِه = ِفكمْ تلاعَبَتْ الدُّنْيا بأمثالِهِ

    استَغْنِ بِاللهِ عَمّنْ كنتَ تَسْأَلُهُ = فاللهُ أفضلُ مسؤول لسؤالهِ


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    ستنقطع الدنيا بنقصان ناقصٍٍٍٍٍِِِِ = من الخلق فيها أو زيادة زائد

    ومن يغتنم يوماً يجده غنيمةًًً= ومن فاته يوماً فليس بعائد

    وما الموت إلا مورد دون مصدر = وما الناس إلا وارد بعد وارد


    --------------------------------------------------------------------------------

    و قال أيضاً :

    مــا للمقــابــر لا تجيــب =إذا دعــاهــن الكئيـب

    حفـر مسقفــة عليهــن = الجنـــادل والكثـــيـب

    فيهن ولــدان وأطفــال = وشــبــان وشــيــب

    كــم مــن حبيب لــم تكــن = نفسـى بفــرقتــه تطــيـب

    غــادرتــه فــى بعضــهن = مجــدلا وهــو الحبيـب

    وسلــوت عنــه وإنــمــا= عهــدى برؤيتــه قــريــب


  2. #2
    ©؛°¨°؛©][مشرف سفاري اسبانيا][©؛°¨°؛© الصورة الرمزية سلمان بن أبي بكر
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    3,232

    فلسفة أبي العتاهية الشعرية

    محمد صادق*



    من هو أبو العتاهية:

    أبو العتاهية هو إسماعيل بن القاسم بي سويد العيني، ولد ونشأ قرب الكوفة، وسكن بغداد،

    كان في بدء أمره يبيع الجِرَار، ثم اتصل بالخلفاء - خاصة الرشيد -؛ وعلت مكانته،

    لكنه زهد في الدنيا، وابتعد عن منادمة الرشيد، وكان قبل ذلك لا يفارقه.

    وكتب شعراً رقيقاً في ندمه على ما فرط من أمره قال فيه:


    إلـهـي لا تعذبني فإنـي =مقـر بالـذي قد كان مـنّي

    فـمالـي حيـلة إلاّ رجائي = لعفوك إن عفوت وحسن ظني

    وكم من زلة لي في البرايا =وأنت عليّ ذو فضل ومــنّ

    إذا فـكّرت في قدمي عليها =عضضت أناملي وقرعت سني

    يظن الناس بي خيرا وإنّـي =لشرّ النّاس إن لم تعف عنّـي


    أبو العتاهية وأهل المجون:

    أشاع أهل المجون أن أبا العتاهية زنديق، وقد حدَّث الخليل النوشاني قائلاً: أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا،

    فقال زعم الناس أنّني زنديق، والله ما ديني إلاّ التوحيد، فقلنا: قل شيئا نتحدث به عنك، فقال:


    ألاّ إنـّنـا كـلـّنـا بائد =وأي بـني آدمٍ خـالد

    وبـدؤهمُ كـان من ربّهم =وكـلّ إلـى ربّه عائد

    فيا عجبا! كيف يعصى الإله؟! =أم كيـف يجحده الجاحد؟!

    ولله فـي كـلّ تحريـكة =عليـنا وتسكينة شاهد

    وفـي كلّ شـيء له آية =تـدل علـى أنّه واحد

    بعد أن اعتزل أبو العتاهية الخلفاء اعتزل أغراض الشعر الأخرى كذلك؛ فلم يكتب إلاَّ في الزهد،

    وقد رُوي أن الرّشيد أمره ذات مرّة أن يقول شعرا في الغزل لكنه امتنع،

    فضربه الرشيد وحبسه وحلف ألا يطلق سراحه إلى أن يقول شيئا في الغزل،

    ووكّل به أحدا يكتب إليه ما سمع، فقال أبو العتاهية:


    أما والله إنّ الظـلم لـؤم =ومازال المسيء هو الظلوم

    إلى ديّان يوم الدين نمضي =وعند الله تجـتمع الخصوم

    قيل: فلما بلغ ذلك الرشيد بكى وأمر بإخلاء سبيله.


    فسلفته الشعرية


    من أسس الموعظة الشعرية عند أبي العتاهية أنّه يحقر شأن الدنيا؛ فهي خداعة لا تدوم على حال؛

    فما هي إلا زيف وخداع، والعجب أن الناس يغفلون عن الوعد المضروب والأجل المحتوم:


    أنلهو وأيـامنـا تذهـب =ونلعب والموت لا يلعـب


    والغريب أنّهم يصرفون كل همهم في الإعداد لدار هم عنها راحلون، فيشيّّّدون القصور،

    ويحشدون فيها أنواع الزينة، ويهيئون لها الفرش، وهم يعلمون أنّهم مفارقوها:


    يا بَــانِيَ الدّارِ المعِدََّ لهـا =ماذا عمِلتَ لدَاِركَ الأخرىَ

    ومُمَهِّـدَ الفـُرْش الوثيرة لا =تُغْفِلْ فِرَاش الرَّقدة الكبرى


    فعليهم أن يحذروا الموت، وما يعقبه من مشاهد القيامة وأهوالها، ثم القرار إما في جنة أو نار:


    فلو كان هول الموت لا شيء بعده =لهان علينا الخطب واحتقر الأمر

    لكنّه حـشـر ونـشر وجـنـة =ونار وما قد يستطيل به الخبر


    الأخلاق في شعر أبي العتاهية


    إن أبا العتاهية بعد تطليقه الدنيا صار أقرب إلى شعراء الأخلاق والحكمة، وفي هذا السياق يقول الأستاذ محمد خلف الله :

    (إنّ شعر أبي العتاهية ذا الصبغة التعليمية أخذ مكانة في تربية الذوق الإسلامي وفي تهذيب الناشئين؛

    فهو يحض على التخلق بأشرف العادات، والبذل والإنفاق في وجوه الصدقات،

    ويدعو الإنسان إلى أن يراعي حق الجوار، وحرمة الذمم، وأن يخفض جناحه لأخيه الإنسان ..

    اسمع له وهو ينصح ابنه:


    اُسْلُكْ بنيّ مناهـج السـادات =وتخـلّـقـن بأشـرف العـادات

    لا تلهـينـّك عن معادك لـذة =تـفـنى وتورث دائـم الحسرات

    وإذا اتّـسـعت بـرزق ربـك =فاجعلن منه الأجلّ لأوجه الصدقات

    وارع الجوار لأهـله مـتبرعا =بقضـاء ما طـلـبوا من الحاجات

    واخفض جناحك إن منحت إمارة =وارغـب بنفسك عن ردى اللذات


    وفي موضع آخر ينصحه بعدم الغيبة، وهي خلة قبيحة مذمومة؛

    إذ شر الأخِلاَّء من يُظهر لك المودة إظهار الصديق الودود، والمخلص الغيور،

    فإذا توارى عنك نهش لحمك، وبرى عرضك مثل بري القلم:


    وشر الأخلاء من لم يزل =يعاتب طورا، وطورا يذم

    يريك النصيحة عند اللقاء = ويبريك في السر بري القلم

    كما أن أبا العتاهية يوصي بإحسان معاملة الآخرين، والصبر عليهم، وقبولهم على علاَّتهم:


    إنّ في صحة الإخاء من الناس =وفي صحـة الوفـاء لقلـة

    فألبس الناس ما استطعت على =الصبر وإلا لم تستقم لك خلّة

    عش وحيدا إن كنت لا تقبل العذر =وإن كنـت لا تجاوز زلـّة


    وفي موضع آخر يحذر من خطورة الحسد؛ فيقول:


    من لزم الحقد لم يزل كمدا = تخرقه في بحورها الكرب


    وتارة أخرى يُمَجِّدُ الأخلاق الفاضلة، ويذم أضادها فيقول:


    ما أكرم الصبر! وما أحسـ = ـن الصدق! وما أزينه للفتى!

    الخـرق شؤم، والتقى جنّة =والرفـق يمن، والقنوع غنى

    نافس إذا نافست في حكمة =آخ إذا أخـيت أهل الـتقى.


    كما يحض على الصدقة والنفقة، فيقول:


    إذا المرء لم يعتق من المال نفسه =تملكه المال الذي هو مالكـه

    ألا إن مالي الذي أنا مـنفــق =وليس لي المال الذي أنا تاركه

    إذا كنـت ذا مال فبادر به الذي =يحـق وإلا استهلـكته مهالكه

    وهكذا ينطلق أبو العتاهية بإيمانه المطلق، وبكلماته الصادقة يندّد بمطامع الإنسان وحرصه على الدنيا:


    ألا إلى الله تصير الأمـور =وما أنتِ يا دنياي إلا غرور

    نحن بنو الأرض وسكانها =منها خلقنا وإليها نصـيـر


    أبو العتاهية والاقتباس من القرآن:


    إن كثيراً من الصور الشعرية لأبي العتاهية مقتبسة من القرآن الكريم ..

    اسمع قوله تعالى: (ألا إلى الله تصير الأمور)، و(منها خلقناكم، وفيها نعيدكم)،

    واقرأ قول أبي العتاهية المنقول فوق هذه الأسطر مباشرة، وانظر تشابه الصور، ثم اسمع قول أبي العتاهية:


    ويرزق الإنسان من حيث لا =يرجو وأحيانا يضل الرجا


    ألا يتبادر لذهنك قوله سبحانه تعالى : (ويرزقه من حيث لا يحتسب).


    أو اسمع قول أبي العتاهية:

    من لم يوال الله والرّسل التي = نصحت له فوليّه الطاغوت


    وتذكر قوله تعالى: (الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظّلمات إلى النّور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت).


    أو اسمع قول أبي العتاهية:


    إن أنت لم تهدنا ضللنا = يا رب إن الهدى لهداكا



    وانظر قوله تعالى: (قل إن هدى الله هو الهدى).

    أو قول أبي العتاهية:


    ليت شعري فإنني لست أدري =أي يوم يكون آخر عمري

    وبأي بلاد تقبـض روحـي =وبأي البلاد يحفـر قبري


    وطالع قوله تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت).


    خلاصة:

    إن ديوان أبي العتاهية ينضح عذوبة وصفاءا، ويمتلئ وضاءة وبهاءا،

    على الرغم من أنه في غرض واحد من أغراض الشعر وهو الزهد والحكمة؛

    مما يؤكد قوة شاعريته، وسمو شخصيته في عصر تعاظمت فيه تيارات الفوضى السلوكية،

    وتوجهات المنكرات الأخلاقية، ألا رحمه الله، وأحسن إليه.

  3. #3
    مسافر مميز الصورة الرمزية محمد الحماد
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    877

    بارك الله فيك


    جمع موفق وموضوع ممتاز



    أخوك

  4. #4
    كبار شخصيات سفاري الصورة الرمزية قلب الحنان
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    7,831

    جزاك الله اخويا الفردوس

    على جهودك في طرح الموضوع

    لي معاودة على موضوعك

    للوقوف على نفائس ما نثرته يمناك

    سلمت يمناك وبورك في حروفك ونفع بها

  5. #5
    كبار شخصيات سفاري
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    الدولة
    الــــــعــــــيــــــــون
    المشاركات
    12,692

    بارك الله فيك

    موضوع مميز

    مشكورررررررررر

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
X