باكستان بلد سبعة ملايين حافظ للقرآن
منذ استقلال باكستان عن الهند عام 1947 تحت إطار نظرية الدولتين الأولى للمسلمين والثانية للهندوس, بدأت مظاهر التمسك بالدين الإسلامي تتفتق على أرض باكستان -وتعني الأرض الطاهرة- وكان من أبرز هذه المظاهر توجه الشعب الباكستاني نحو القرآن الكريم.
ومن الأمور التي تعد مفارقة نوعا ما اندفاع الآباء -حتى العلمانيين منهم- نحو توجيه أبنائهم إلى حفظ القرآن الكريم, كما لا تقتصر ظاهرة الاهتمام بالحفظ على طبقة معينة في أقاليم باكستان الأربعة, وإنما هي منتشرة في جميع طبقات المجتمع الفقيرة منها والغنية على حد سواء, حتى شاع مثل يقول "أينما رفعت حجرا وجدت تحته حافظا للقرآن".
لا شك أن الدافع الديني لعب دورا هاما في توجيه الآباء أبناءهم نحو حفظ القرآن الكريم إلا أن ثمة عوامل أخرى لعبت هي الأخرى دورها مثل الاقتناع بتفوق الحفاظ على نظرائهم في الدارسة حسب بعض الدراسات المحلية, والرغبة في إحلال البركة على البيت بوجود حافظ فيه, وعلو المكانة الاجتماعية, ومع هذه المحفزات تخرج العائلات الباكستانية أبناءها من المدارس النظامية في سن مبكرة ليلتحق بحلقات تحفيظ القرآن الكريم مدة تتراوح من سنة إلى سنتين هي مدة الحفظ المتوقعة.
ومع استقصاء المعلومات حول عدد حفاظ القرآن الكريم في باكستان أشار كثيرون من المهتمين بهذا الجانب إلى أنه يوجد ما معدله حافظ في كل ثلاثة بيوت, وهو ما يعني أن عدد حفظة القرآن الكريم لا يقل عن سبعة ملايين حافظ.
طريقة التحفيظ
تستخدم مدارس تحفيظ القرآن الكريم في باكستان أسلوب التلقين الذي يبدأ بتعليم الطالب ما يسمى بالقاعدة النورانية مدة ثلاثة أشهر تقريبا، وهي تحوي تعليم نطق الأحرف الأبجدية مع التشكيل, ومن ثم يبدأ الطالب بقراءة وحفظ ثلاث آيات على معلمه ولا ينتقل إلى الآيات التالية حتى يجيد الأولى, كما يخصص وقتا كافيا كل يوم لمراجعة الحفظ السابق وعادة ما يكون قبل صلاة الفجر بساعة، حيث تستمر حلقات تحفيظ القرآن الكريم في دوامها إلى صلاة المغرب تتخلل ذلك استراحتان, مع التذكير بأن معظم منتسبي حلقات التحفيظ يبيتون في المساجد التي تتبعها حلقاتهم وهو ما يوفر لهم الوقت الكافي لعملية الحفظ بعيدا عن العائلة ومتطلباتها, وعادة ما يبدأ تحفيظ القرآن باتجاه عكسي من الجزء الثلاثين.
ويشار إلى أن أهالي المنطقة الواحدة -بالتعاون مع مسؤولي حلقات التحفيظ- يستغلون مناسبة إكمال بعض الطلبة للحفظ لترتيب برنامج عادة ما يكون على مستوى عال من الرفعة والسمو يشارك فيه أهالي الحي بحضرة علماء كبار يقومون بلف العمامة -التي تعتبر في العرف الباكستاني الشهادة الحقيقية لحافظ القرآن- على رأس الطالب الخريج، وهو ما يجعل الحافظ يعتز بها ولا يمشي في الطرقات بعد تخرجه بدونها.
وينقسم حفظة القرآن الكريم بعد التخرج إلى قسمين، الأول يعود إلى مدرسته النظامية ليكمل مشواره الدراسي, والثاني يتوجه نحو العمل بما تفتح له شهادة الحفظ من مجالات في المجتمع, وهذا النوع من الحفظة يزاول العديد من المهمات والأنشطة، من أهمها تدريس القرآن الكريم في الحلقة التي تخرجوا منها أو في غيرها, وكذلك ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح في المساجد, وقراءة القرآن في محافل الزواج والوفاة وعند افتتاح المحال التجارية والعودة من الحج وغيرها من المناسبات.
كما أن حضور حفظة القرآن الكريم إلى المنازل بناء على طلب من أصحابها لقراءة القرآن وختمه من أجل إيصال الثواب إلى الموتى، يعتبر من الأعمال التي يزاولونها مقابل أجرة مالية وما تجود به نفس مالك البيت من طعام وشراب.
ومما يشجع على حفظ القرآن الكريم في باكستان عدم وجود أي رسوم مالية على سنتي الحفظ والإقامة, حيث تغطي حلقات التحفيظ مصاريفها من أموال التبرعات، وهي حالة يندر وجودها في كثير من المجتمعات، لاسيما مع الأعداد الضخمة التي تنتسب إلى هذه الحلقات.