تعتبر عاصمة الامراء دير القمر، درة منطقة الشوف في جبل لبنان. تبعد عن بيروت 35 كلم وترتفع عن سطح البحر 850 م، تتربع بين مغارة كفرحيم وقصر بيت الدين، حولها تنتشر مناطق الاصطياف.. تتمتع بأكثر من موقع أثري تتميز بقصورها بديعة الهندسة، بالاضافة الى طبيعتها الخلابة وأحراج الصنوبر والينابيع، ما حولها الى محطة اساسية من المحطات السياحية والحضارية في لبنان، ودير القمر كانت مقر الاقامة الصيفي للامراء المعنيين ومركزاً لهم اثناء حكمهم امارة جبل لبنان. ويقال ان اسمها يعود الى صورة قمر كانت منقوشة على أحد جدرانها، فيما يقول مؤرخون آخرون ان لفيفاً من الرهبان عثروا على بقايا دير مهدم في غابة تقع اعالي البلدة، فراحوا يرحمون في الليل على ضوء القمر لانهم كانوا مضطرين للعمل في النهار لكسب لقمة العيش.
تقام في بلدة دير القمر سنوياً مهرجانات فنية، وعادة ما يكون مركزها في «ساحة الميدان» أي في الساحة الرئيسية في البلدة التي عرفت فيما بعد بساحة داني شمعون، وهو احد ابنائها، وقد قضى اغتيالاً مع زوجته وولديه غداة انتهاء الحرب اللبنانية، والمعروف ان داني هو اخ احد الزعماء السياسيين في لبنان ورئيس بلديتها دوري شمعون، وهما نجلا رئيس الجهورية اللبنانية الراحل كميل شمعون.

مقاهي دير القمر

* في دير القمر تتوزع المقاهي والمطاعم وتحلو الجلسات فيها على ضفاف نبع الشالوط ، حيث يتجمع المصطافون والسياح واهل البلدة لتمضية اجمل ساعات النهار وهم يراقبون غياب الشمس، ومن أهم مطاعمها: «القمري»، و«سراي البيك» و«استراحة عين اوريث» و«مقهى الميدان» و«مطعم الكردينيا»، اضافة الى مطاعم اخرى تقع في اول البلدة او على تلالها المطلة على منطقة الشوف بأكملها. وتضم البلدة 23 منزلاً تراثياً اضافة الى اربعة قصور تحول بعضها الى متاحف او منازل عادية. وكذلك فيها اكثر من موقع اثري، مثل سراي الامير يوسف الشهابي وسراي الامير فخر الدين المعني الثاني. والذي تحول الى متحف الشمع اسسه ابن البلدة سمير باز واعطاه اسم «ماري باز» ويعتبر فن العمارة فيه من طراز الخان ويتألف من مستوى واحد للسكن وطابق آخر حول دار داخلية مبلطة.

ويتضمن المتحف الذي يعتبر الأول من نوعه في الشرق الاوسط اكثر من سبعين شخصية نحتت بالشمع ويخيل لمشاهدها للوهلة الاولى، بانها حقيقية وقد عمل فريق مختص من لبنان والخارج على وضع ديكور القصر وبلغت كلفته 200 الف دولار. ومن الشخصيات التي تقف فيه الامير فخر الدين المعني والشاعر الفرنسي لامارتين. اضافة الى سياسيين لبنانيين راحلين امثال كمال جنبلاط وكميل شمعون وعدد من الفنانين بينهم ماجدة الرومي. وكانت آخر الشخصيات في المتحف تخص الرؤساء اللبنانيين الياس الهراوي ونبيه بري والرئيس الشهيد رفيق الحريري والجنرال اميل لحود، اما كلفة صناعة تمثال الشخص الواحد فتبلغ حوالي العشرين الف دولار، يتناوب على العمل فيه ولمدة تتجاوز الخمسة اسابيع فريق عمل يعمل افراده ايضاً في متحف الشمع الفرنسي. ويروي صاحب المتحف سمير باز ان الشهيد رفيق الحريري اعجب بالفكرة وجلس امام فريق العمل متجاوباً معهم لأكثر من ثلاث ساعات وقد سلمهم في النهاية بذلة رسمية له مع ربطة عنق ليرتديها التمثال.

ويستطيع الزوار دخول المتحف يومياً من العاشرة صباحاً حتى الخامسة بعد الظهر مقابل كلفة رمزية لا تتجاوز السبعة آلاف ليرة لبنانية (حوالي ثلاثة دولارات ونصف) ومن «القصور المتحف» المعروفة ايضاً في البلدة «قصر موسى» وهو عبارة عن قلعة يحيطها سور ويستطيع دائرها التجول في مختلف غرف القصر التي تسكنها شخصيات منحوتة تمثل عائلات لبنانية ريفية واخرى تصور نابوليون والجنرال ديغول وغيرهما. وفي نهاية الزيارة يستطيع الزائر الحصول على تذكار بعد ان يرتشف فنجان قهوة على الطريقة العربية كضيافة من اهل القصر.

زيارة مهمة

* ويتسنى لمن يقصد بلدة دير القمر زيارة سوق السكافي الاثري، الذي يعود تاريخه الى القرن السادس عشر. ويتألف من ثمانية وثلاثين محلاً ومحترفاً للسكافين يعمل فيه ما يقارب المئتي عامل حرفي. وكانت اصوات مستلزماتهم وادواتهم تسمع في الماضي حتى بلدة بعقلين المجاورة لدير القمر.

اما ساحة الميدان فتمتد على مستوى واحد مع الطريق الحالية يتوسطها بركة مستديرة تتغذى من نبع الشالوط بنيت في القرن التاسع عشر في فترة حكم المتصرفية وقد ثبتت فيها ثلاث لوحات تذكارية: تشير الاولى الى انه في السادس من شهر اغسطس (آب) عام 1972 وضع رئيس الجمهورية آنذاك الراحل سليمان فرنجية الحجر الاساس لترميم الساحة واللوحة الثانية تذكر الواحد والعشرين من شهر اكتوبر (تشرين الاول) سنة 1990، تاريخ اغتيال ابنها داني شمعون اما اللوحة الثالثة فتدل انه عام 1991 تم انجاز اعمال الترميم فيها.

مسجد الأمير فخر الدين

* وفي البلدة مسجد الامير فخر الدين الاول ويرجع تاريخ تشييده الى القرن السادس عشر رمم في عهد الامير المذكور ويعتبر تحفة الفن الهندسي المعماري لأناقة بنائه ويضم مئذنة مثمنة الاضلاع انحنت عن محورها بعد الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة عام 1630، ويمكن الوصول اليها عبر سلم مؤلف من خمسين درجة من الحجر. وداخل المسجد رسوم هندسية مستعملة غالباً في الفن الاسلامي وكانت فيما بعد مصدر وحي للفنانين الايرلنديين وغيرهم.

اما معارض البلدة ومناسباتها الثقافية التي غالباً ما ينظمها المركز الثقافي الفرنسي، فتقام في احد اسواقها القديمة المعروفة بالقيصرية أو «خان الحرير» والتي تم بناؤها عام 1595 وهي كناية عن سوق شعبي مقفل مخصص اساساً لتجارة الحلي كما السلع الملكية، وخصوصاً الحرير وقد استعملت «القيصرية» كما «ساحة الميدان» في اكثر من كليب غنائي مصور بينها اغنية «فينو» لهشام عباس وآخر خاص بتلفزيون الـ«ال. بي. سي».

وعادة ما يتخلل هذه المهرجانات نشاطات فنية واخرى تراثية ورياضية اضافة الى سهرات خاصة بموائد عالمية واسبانية وايطالية ولبنانية ومكسيكية. ولا تغيب عنها ايضاً النشاطات الخاصة بالاطفال فيتم اطلاق « Mongolfiere balloon» المنطاد الفرنسي الشهير في ساحة البلدة وتقدم مسرحيات غنائية تشمل «الضفدع الاحمر» و«الدمى المتحركة» ومسابقة خاصة لانتخاب اجمل طفل. ولا تغيب عن البلدة الافلام السينمائية فيتم عرضها في محترف خاص وتشمل الافلام الوثائقية.

وتضم بلدة دير القمر ست كنائس هي مارجرجس وسيدة النجاة وسيدة الفقيرة ومار الياس والوردية وسيدة التل. وهذه الاخيرة تعتبر عجائبية ويؤمها الزوار من مختلف بقاع الارض لتقديم النذورات لها. ومن اهم المعالم الاثرية التي نجدها «ضريح القبة» حيث يرقد الامراء احمد معن (1697) وحيد شهاب (1732) وابنه منصور (1770)، وهو كناية عن بناء ضخم مربع بقياس ستة امتار من كل جانب وبارتفاع خمسة امتار تعلوه قبة من عهد المعنيين ونستطيع من احد نوافذ تلك المقبرة ان نشاهد ضريحين من الرخام الابيض والرمادي وهما في علو متر ونصف المتر.

ويتوسط البلدة بيت للضيافة «لا باستيد» 05/505848 ويستطيع النازل فيه ان يمضي ليلة هادئة خصوصاً انه يطل على مشارف البلدة وتحيطه الاشجار.