لكم مني أحبتي القراء أرق وأزكى وأطيب تحية ..
حديثي لكم هذه المرة عن رحلتي إلى جزيرة فرسان بمنطقة جيزان الحبيبة ..
حقيقة لم يكن في بالي أن أكتب عن هذه الرحلة .. ولم استعد لذلك .. على الأقل في العناية بالصور ..
لكن عندما فتحت إيميلي هذه اللحظة وقرأت عنوان رسالة من أحد زملاء الرحلة ورفقاء الدرب عنوانها "رحلة لن أنساها " هيضني هذا العنوان ..
جاءتني الرسالة .. وفورا تناولت القلم ..وبدأت بالكتابة ..
ملاحظة : الرسالة التي جاءتني هي من رفيق الدرب ابو البشرى مشاعر وصور من الرحلة .. وله مداخلات أدرجتها في هذا التقرير وهي مميزة باللون الأخضر ..
لست وحدك أخي الحبيب لن تنساها ..
وأنا لن أنساها..
لأسباب كثيرة من أهمها أنك أحد أجمل ما في الرحلة .. وكل مافيها جميل ..
تميزت هذه الرحلة قبل المناظر وقبل كل شيء بالرفقة ..
" تفسح الكون من حولي مدى البصر *** وأشرقت في فؤادي فسحة السفر
ولم أجد من عناءٍ حل أو تعب *** فرفقتي خير من صاحبت في البشر "
هم متعة الرحلة الأولى ..
الرحلة أقل من يومين .. مرت كأقل من ساعتين ..
لكنها تركت في النفس الكثير الكثير من الانطباعات الجميلة .. والذكريات الخالدة..
لن أطيل .. ففي مداخلات أخي أبو البشرى التعبير عن شي مما يختلج في النفس من مشاعر ..
بدأت الرحلة بعد ظهر الأربعاء 15/2/1432هـ من جيزان إلى فرسان ..
بالنسبة لي هي أول مرة أزور فيها فرسان ..
" جميل أن يجمع الله لك خيرية الرفقة وحسن التوجه , فتنطلق في سماء الفسحة وفضاء الأدب والأخلاق ، وتعيش مع إخوتك نفس جديد فتتنفس الهواء الطلق النقي برئة الأدب والشعر ، وتخوض غمار الإحسان لتكشف عن حقيقة الأخلاق وتصقل شخصيات الخلان فتعرف الصبور والثبور، وتجمع من تفاصيل الرحلة أفضل الدر المنثور،وتتذكر حديث سيد البشر وهو يقول (الناس كإبل المئة لاتجد فيها إلا راحلة)
فتعذر المقصر ، وتشكر المحسن ، وتختار الرفيق .."
توجد رحلتان يومياً من جيزان إلى فرسان الساعة 7 صباحا و الساعة 3 عصرا .. ورحلتان بعكسهما في نفس الوقت . .
العبّارة ( السفينة ) تأخذ سبعين سيارة وعدد كبير من الناس ..
وقد فوجئت بكثرة المسافرين عليها .. وهي جديدة وراقية ..
لكن لابد من مشقة السفر ..
تشعر بأنك مسافر لمدينة بعيدة حجز وشنط وتفتيش .. الخ ..
" ترفق خليلي لا تبعثر لي الرحل *** وفتش برفقٍ، وابتسم واترك العذل
ولا تبتغ التأخير، فالوقت ضيق *** فلي رفقة ، ساسوا المكارم والعدل "
أتمنى أن يعمل لهذه الجزيرة جسر يصلها ببلدنا الحبيب فهي قطعة منه مهما كلف الامر ..
الرحلة على العبارة ممتعة .. وصلنا إلى فرسان في أقل من ساعة ..
ولما وصلنا استلمنا سيارة أخينا الحبيب ابو ابرار واتجهنا إلى السكن..
وضعنا الشنط ثم ذهبنا إلى الشاطئ مباشرة ..
وجلسنا فيه من العصر إلى منتصف الليل ..
كان الجو ممتعا جدا لم نشعر بالوقت ..
" لحظة الغروب لحظة يعشقها الجميع وخاصة في شواطي فرسان البكر ؛ والتي امتازت بهدوئها ونظافتها ، والمتأمل في لحظة الغروب يجد وكأن البحر كائن يستطيع التحدث للناس ويغيظهم ويقول : أترون الشمس العزيزة الحارقة في كبد السماء والتي لا تستطيعون أن تنظروا إليها من حرارتها ، هاأنا ذا أطفئ وهجها وأصيرها وديعة في أحضاني لأغيض كل العشاق ولا أحد يستطيع منعي منها إلا مجريها جل وعلا ..
بأي بحر أغني اليوم قافيتي *** وأي وزن يصــــــوغ اليـــــــوم إنشـــــــادي
فرقصة الموج أنغام تزيّنها *** شمس الغروب تعانق بحـــــــــرها الهادي "
في الليل كان القمر مضيئا ليلة 16 من الشهر ..
كانت جلسة ممتعة .. سهرنا وتناولنا العشاء ..
العشاء سمك طبعا.. أنت في فرسااان .. ههههه ..
مع نوع من الخبز اسمه الخبز الحامض معمول بالميفا .. مع المقبلات الجميله..
بعدها مارسنا رياضة المشي على الساحل ..
مشينا مسافة 8 ثمانية كم .. دون أن نشعر ، لم نكن – أكرمكم الله – نلبس الأحذية فالرمال ناعمة والشاطئ نظيف جدا ..
شاطي رملي و ناعم ..
"يا أيها البدر لا تمعن بي النظر *** وانظر إلي برفق وانثر الدررَ
أشح بوجهك لا ترم سهامك في *** قلبي فنورك أهدى مقلتي السهرَ
ورقصة الموج نادتني بغيرتها *** مالي أراك هياما تعشق القمرَ؟
أجبتها وأنا المحتار في شفتي *** من وطأت القول ما تهوي به الجُدُرَ
ياأيها الموج من مدٍّ ومن جزر *** كفاك عذلا ، فمن لا يعشق القمرَ؟ "
ذكرتني ابيات الأخ الحبيب هذه بقول حافظ ابراهيم ..
قالتْ الجوزاءُ حينَ رأتْ
جَفنَه قد واصَلَ السَّهَرا
ما لهذَا الصَّبِّ في وَلَهٍ
أتُراهُ يعشَق القَمَرا
عدنا منتصف الليل للنوم لأننا ننوي الخروج فجر اليوم الثاني في رحلة صيد بحرية ..
وبالفعل انطلقنا صباح الخميس الموافق 16 / 2/1432 هـ إلى ميناء القوارب ..
كان الترتيب مسبق مع أحد أصحاب القوارب من قبل زميلنا الحبيب من أهل فراسان..
وهذا هو القارب .. ذو المقاعد الزرقا ..
سجلنا أسماءنا لدى حرس الحدود وانطلقنا إلى البحر المفتوح في تمام الساعة السابعة صباحا تقريبا ..
وأثناء سيرنا إلى عمق البحر شاهدنا أسراب من الدلافين فقمنا بالوقوف وإطفاء المحرك للإستمتاع بمنظرها الجميل وتصويرها ..
صور الدلافين .. وهي غير واضحه كثيرا لأنها تظهر وتختفي فجأة من أماكن متفرقة ..
صورناها فيديو لكن مع الأسف ذهب أغلب التصوير الذي من جهاز جوال سامسونج الجالكسي لأنه إذا لم تحفظ التصوير بشكل نهائي قبل الخروج من الكاميرا لا يحفظ المقطع ..
ثم واصلنا السير إلى أن وصلنا إلى جزيرة دمسك وهي جزيرة جميلة وغير مسكونه ..
هنا أوقفنا قاربنا " الفلوكة " .. وهنا قررنا أن نعود للسهر مساء ..
هذه المنطقة عميقة في البحر عدة أمتار ومع ذلك تشاهد الأرضية ..
صور لكميات من الصدف في زوايا من شواطي الجزيرة ..
نقاوة ماء البحر وكأنه مسبح .. والأرضية الرملية الناعمة جدا باينه ..
من صفاء الماء.. لا تكاد تلاحظه .. وربما تظن أن هذا رمل فقط ..
ثم ذهبنا إلى عمق البحر المفتوح وتم اختيار موقع مناسب للصيد بحكم خبرة الشباب قادة المركب ..
وهم قمة في الخلق واللطف ..
صور يظهر منها المياه المتبخره من البحر وكأنها ضباب ..
وهذه يقال انها قلعه بناها الجيش الألماني على إحدى الجزر ..
بدأنا ممارسة الصيد " الجلب " .. كنا نستمتع بشرب الشاي وبالصيد وشي من التعليقات ..
صدنا من السمك قرابة ثلاثين مختلفة الأنواع ..
وهذا الكائن البحري لاأذكر اسمه الآن .. بجوفه ماده حبرية يقوم بضخها للدفاع عن نفسه عندما يداهمه الخطر..
لكن لخبرة الشباب أمسكوا به وفورا تم فصل رأسه حتى لا يبخ تلك المادة .. وقد خرجت منه بعد ذلك وهي مثل الحبر داكنة جدا حتى أنها غيرت لون مساحة من الماء على سطح البحر ..
وبعد الظهر عدنا إلى السكن لنرتاح قليلا ..
لأننا قررنا أن نطلع رحله بحرية مسائية إلى إلى جزيرة دمسك أو غيرها من الجزر غير المسكونة للاستمتاع بالسهر والسمر .. على أضواء القمر ..
وصلنا السكن وتغدينا من صيدنا ..
أرسلنا السمك لأحد المطاعم المختصة وعمله بالميفا ..
ماأجمل االسمك وهو طازج .. وماأجمل أن تأكل من صيد يدك ..
ارتحنا قليلا وبعد المغرب انطلقنا لرحلتنا الثانية ..
أخذنا معنا ذبيحة .. وكذلك عدة الطبخ ( برميل للحنيذ ..وحطب ..الخ) وعدة الشاهي ..
الذبيحة صغيرة كلها بهذا الكيس ..
الانطلاقه ويلاحظ القمر في أول طلوعه ..
وفي منتصف الطريق للجزيرة طلب بعض الإخوة أن نقف لصيد السمك لنضيفه مع العشاء ..
وبالفعل توقفنا قرابة الساعة..
أوقفنا القارب وأطفأنا المحرك ..
وبدأ بعضنا يمارس هواية الصيد وهم الإخوة سائق القارب ومساعديه وأحد الزملاء ..
أما نحن الأربعة فقد قمنا إلى سطح مقدمة القارب ..
وفرشنا الفرشة والتكايات وعملنا ( قدحنا ) الشاهي في جلسة ولا أروع ولاأمتع ..
لم نكن مخططين لأن نقف في عرض البحر في هذا الوقت ..
لكنها كانت محطة من أجمل محطات الرحلة ..
صدقوني أنني ترددت أن أصفها لكم خوفا أن أشوه صورتها في ذهني على الأقل ..
ياااالله ..
يمكن بعضكم أحبتي القراء يتساءل..
لماذا لم تسهروا على شاطئ فرسان الجميل .. كغيرنا ؟
الجواب ياأحبه .. أننا أحببنا أن نستمتع بالقمر.. لوحده ولوحدنا..
إذا كان معاك القمر لاتريد شيئا غيره .. مهما كان غيره جميلا ..
فأنت لاتريد إلا هو وهو فقط ..
المصابيح المضاءة على الشاطئ تحشر نفسها بيننا وبين القمر ..
نريد القمر ..القمر والقمر فقط .. نريده لوحده ..
ونريده لوحدنا .. نريد أن نختلي به .. لكنها خلوة غير محرمة ههههههه .
عندما وقفنا بالقارب في لجة البحر نشرب الشاهي ونتسامر على ضوء القمر ..
لاتحدثني عن أجمل من ذلك ..
لاخَضَار ولاضباب ولاجبال ولا وادي ...كلها جميلة .. لكن القمر أجمل ..
القمر ليلة البدر .. وأنت في عمق البحر ..أجمل ..إي والله أجمل ..
وفي اللحظة نفسها وأنت على القارب تشرب الشاهي وتهدهدك تموجات البحر الرقيقة وأنت على القارب .. أجمل وأجمل ..
تنظر في كل الاتجاهات لا ترى شيئا .. لا ترى شيئا .. إلا السماء والماء .. وبينهما نسيج من أضواء القمر الفضية المنسدلة من السماء بهدوء والمنتشرة على سطح البحر..
السماء تزينها الكواكب .. والماء يزينه أصوات الأمواج الرقيقة ..
غير ذلك لا يوجد شيء ..
لا ضجيج ولا ضوضاء ولا أضواء .. سوى ضوء القمر .. وصوت امواج البحر ..
كدنا أن نبقى على القارب ونترك الجزيرة لولا أننا نريد أن نطبخ العشاء ..
جانب من جلسة السمر على حافة القارب ..
كل ذلك الجمال كفة ( كوم ) ..
والكفة الثانية من الجمال .. زملاء الرحلة ..
الله ماأطيب أرواحهم وأزكى أنفاسهم ..
أول مره أرافقهم في رحلة لكني شعرت أنني أعرفهم منذ زمن ..
لاتفارقهم الابتسامة .. وروح الدعابة والمرح مع خلق رفيع وأدب جم ..
وأنا أكتب هذه الكلمات توقفت قليلا ..ضحكت والله ..
تذكرت بعض النكات الطريفة التي تبادلناها ذلك اليوم ..
بعد صيد السمك وبعد أن شربنا الشاهي ..
وبعد أن غرقنا في موجة من التأمل والتفكر في ذلك الجو الرهيب المهيب ..
وبعد أن غبنا في ذلك الجو الحالم .. ونحن بين الماء والسماء ..
انتبهت كالصاحي من حلم على صوت الأخ الحبيب ابو على وهو يقول .. حرّك حرّك .. هههههههه
لو عندك شراع للقارب كان احسن .. ههههههه
تحرك صاحب القارب .. واصلنا سيرنا إلى الجزيرة وتسمى جزيرة دمسك ..
وهي جزيرة كبيرة وغير مسكونه طبعا .. هههههه
اقصد غير مسكونة من البشر ..
لأن الأهالي هناك يقولون بأنها مسكونة من الجن ..
وقد قابلنا البعض وقال لنا لاتذهبوا في الليل لهذه الجزر الخالية فهي جميلة نعم وخاصة في مثل هذه الأيام المقمرة لكنها مسكونه بالجن ..لكنا توكلنا على الله ولم نُلقِ لهذا الكلام بالاً ..
وصلنا للجزيرة ووضعنا رحالنا بها..
تولى الشباب .. سائق القارب ومساعديه موضوع تجهيز العشاء ..
وقاموا بدفن برميل الحنيذ في الرمال الناعمة .. وهناك حفرة حنيذ أخرى بالجزيرة هم يعرفون مكانها..
قاموا هم بتجهيز العشاء الرز وخبز الميفا..والذبيحة والسمك في الميفا وعلى الجمر وفي القصدير..
وجلست مع بقية الزملاء في ليلة سمر .. على شط البحر .. تحت ضوء القمر ..
تسامرنا واستمتعنا بالحديث وبالتجول في الجزيرة إلى أن جهز العشاء الذي أعده الشباب بفن ..
فلك الحمد يارب على نعمك علينا التي لاتعد ولاتحصى ..
كان عشاء هانئا .. وبقينا بالجزيرة إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ..
صور من الجزيرة وأثناء إعداد العشاء في الميفا ..
هذه الحفرة موجودة مسبقا بالجزيرة ..
وهذا البرميل اصطحبناه معنا ودفناه في الرمال الناعمه ..
وعدنا بعدها إلى السكن لأننا ننوي العودة لجيزان في رحلة العبارة الصباحية الساعة السابعة ..
انتهت الرحله في الواقع .. لكنها لم تنته ذكرياتها .. وأثرها الطيب في نفس كل منا ..
ودعنا بعضنا ودعواتنا بأن يجمعنا الله على الخير دائما ..
هذا ماتيسر لي كتابته .. وأشكر لأخي ابو البشرى مداخلاته القيمة ..
لجميع القراء مني كل الحب والتقدير .. وتقبلوا فائق تحياتي ..
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو شراع
