اسمحوا لي أن أرجع بكم في الزمن للوراء لفترة الثمانينيات في المملكة العربية السعودية حيث لا يزال المجتمع يحاول الإفاقة من صدمة فتنة الجهيمان ودخوله بالأسلحة للحرم المكي وما خلفته هذه الحادثة من آثار مؤلمة حيث حققت تلك الفتنة رغم فشلها عسكريا حققت نجاحا فكريا منقطع النظير وأثارت قلق المسؤولين وأعادت حساباتهم تجاه المجتمع وتراجعت كثير من المشروعات التي تدعو لانفتاح المجتمع تجاه العالم مثل برامج أرامكو الإعلامية وتطور التلفزيون السعودي وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني بل حتى دخول ألعاب الدمى للبلاد أو المجلات الشخصية كان ممنوعا.
انسحب المجتمع إلى الداخل وغدت بلادنا من أكثر بلدان العالم انغلاقا على مستوى العالم وصدرت الفتاوى بتحريم السفر إلا للعلاج أو الدراسة ، لم يكن هناك انترنت أو قنوات فضائية مما شكل على مدى سنوات طريقة في التفكير سطحية وجامدة بدات تذوب وتتحسن شيئا فشيئا أذكر أحد أقربائي عندما عاد من لندن كان قد اشترى تلسكوب وكان هدفه رؤية الكواكب ودراستها وكان في المرحلة الثانوية وعند وصوله للجمارك لم يتقبل موظفو الجمارك فكرة وجود تلسكوب ودخوله للبلاد حيث لم يكن موجودا في السعودية وعبثا حاول زميلي إفهام الجمارك أن التلسكوب لغرض شخصي وعلمي لكنهم كانوا يتهمونه بأنه سوف يستخدمه للنظر لشبابيك الجيران هذه الحادثة تعبر عن تفكير بسوء الظن بكل ما هو جديد غلب على مجتمعنا .
الان ونحن نعيش في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين أدى الانغلاق السابق إلى انفجار هائل في مجتمعنا وانفتاح غير متوازن وغير مدروس بل إلى تناقض صارخ في البنية الثقافية للمجتمع فاللاقطات الفضائية ممنوعة لكنها تباع رسميا في الأسواق وتباع كذلك الرسيفرات التي بإمكانها عرض المحطات الإباحية الالتزام الحجاب صارم في مجتمعنا ولكن بمجرد ان تذهب لدول الخليج والدول الاوروبية تجد أعداد الفتيات الذي تركوا الحجاب في ازدياد مطرد وتجد صروح علمية رائدة وقنوات فضائية ماجنة يملكها سعوديون ، وضعفت شوكة المؤسسات الدينية التي كان لها الكلمة الأولى في المجتمع .. واجترأ الناس عليها أكثر إعلاميا واجتماعيا بل إن تركيبة اللباس السعودي في الشارع تغيرت
فقل الاعتماد على الزي الرسمي واستبدل بالقميص والبنطلون بل إن من لبس الثوب لا تجده يلبس الشماغ والعقال ناهيك عن الماركات العالمية والمطاعم الغربية، بمعنى أنه حدث هناك تغييرين في مجتمعنا تغير طبيعي في اللباس والاهتمامات والمؤسسات العالمية وتغيير غير طبيعي ومهووس يتمثل برغبة بعض أفراد المجتمع بنبذ كل ما هو له علاقة بالماضي القديم والثقافة القديمة سواء كان منبعها التقاليد أو الدين ،
وإن نظرتي للفترة القادمة والتي سيعيشها المجتمع السعودي أن التغيير سيطال حتى المتدينين فلن يكون مظهر الانسان المتدين السعودي التقليدي باللحية المعفاة والسواك والشماغ بدون العقال والثوب القصير ولكن ستجد المتدين صاحب مظهر اللحية الخفيفة أو بدون لحية والثوب المعتدل أو البنطال إلا أن ما يتميزون به هو قوة الافكار والطرح الجيد والوعي المعتدل فنحن مقبلون على مرحلة جديدة تظهر بوضوح ما بعد عام 2010 ودخول البلاد منظمة التجارة العالمية ودخول الشركات الضخمة للبلاد وقيادتها للسوق وستنتهي الكفالة للاجنبي فهل المؤسسة وأتسائل هل المؤسسات الدينية في البلاد ستكون على مستوى التحدي هذا ما ستثبته الأيام .
تحياتي
الشيفرة